التدابير البديلة لحل النزاعات في القانون الموريتاني (التحكيم نموذجاً)

التدابير البديلة لحل النزاعات في القانون الموريتاني (التحكيم نموذجاً)
الدكتور: أبوبكر العم
باحث في القانون العام والعلوم السياسية، حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة الحسن الأول المغربية
موريتانيا

 

في خضم التطورات التي عرفتها الأنظمة العدلية على مستوى العالم خلال النصف الأخير من القرن الماضي، بدأ البحث عن طرق خاصة لحل أنواع معينة من النزاعات، بعيداً عن المحاكم، وبطريقة تناسب خصوصيتها، يأخذ حيزاً من اهتمام الفقهاء ورجال القانون، لتجسد ذلك الاهتمام مع الوقت إلى نظم تقرها تشريعات بعض الدول، من أجل خلق قضاء بديل يحقق فعالية ونجاعة لا تتوفر في القضاء التقليدي.
النظم الجديدة أطلق عليها أكثر من مصطلح، كما أخذت أكثر من نمط، فمن حيث التسمية نجد البعض يطلق عليها الطرق البديلة، باعتبار أنها بديلة عن القضاء التقليدي، والبعض الآخر يطلق عليها الطرق الملائمة، باعتبار أنها تلائم النزاعات التي تكون ميداناً لها، وأحياناً الطرق الودية انطلاقاً من أنها في الغالب تحسم النزاع بمنطق "لا غالب ولا مغلوب" إذ تحاول مراعاة مصالح جميع الأطراف، ومن حيث النمط نجد هذه الطرق تأخذ أشكالاً مختلفة، أهمها التحكيم والوساطة والصلح.
وتختلف التعريفات التي يسوقها الفقهاء لهذه الطرق في حل النزاعات، إلا أن معظمها يدور حول فكرة لجوء أطراف نزاع ما، سواء كانوا أشخاصاً طبيعيين أو اعتباريين، من أشخاص القانون العام أو الخاص، إلى جهة معينة لحل خلافهم بالطرق التي يرون، وعلى هذا عرفها البعض بأنها "مجموعة غير محددة من الإجراءات لحل النزاعات، تشتمل في معظم الأحيان على تدخل طرف ثالث لإيجاد حل غير قضائي لحسم الخلافات1".
وبغض النظر عن الأشكال التي تأخذها الطرق البديلة لحل النزاعات أو التسميات التي تطلق عليها فإن حجر الزاوية فيها هو الحضور القوي لإرادة الأطراف الذين تجمعهم علاقة قانونية معينة في تحديد الطرق التي سيحلون بها نزاعاتهم القائمة أو المحتملة، وتعيين الطرف الذي سيقوم بتطبيق تلك الإجراءات.
هذه الطرق تضمن تحقيق غايات متعددة، إذ توفر الوقت وهو أمر ضروري حيث تعتبر العدالة الناجزة هدفاً تحاول الأنظمة القضائية المعاصرة الوصول إليه، كما تضمن أيضاً إلى حد بعيد رضى الأطراف المتنازعة عن النتيجة النهائية وهو أمر جوهري لتنفيذ الأحكام، ويعد حلاً لمعضلة التنفيذ في القضاء التقليدي التي تعاني منها أنظمة كثيرة، من ضمنها النظام الموريتاني، وهو موضوع الدراسة2.
وإضافة إلى الاعتبارات السابقة، تمكن الطرق البديلة من تطبيق القانون المناسب لحل النزاع، حتى ولو كان قانوناً أجنبياً؛ وتتيح إمكانية إسناد الفصل في النزاع إلى الأشخاص أصحاب الكفاء المناسبة لحله، الأمر الذي قد لا يتوفر في القضاء التقليدي، كما تسهم في تخفيف الضغط على المحاكم العادية، وتقلص المصاريف التي تنفق على الدعاوى، الأمر جعل هذا النمط من العدالة يأخذ حيزاً مهماً في أكثر من بلد، بل ويخذ طابعاً دولياً.
ومن زاوية أخرى يمكن الحديث عن الطرق البديلة لحل النزاعات، باعتبارها وسيلة لتعزيز السلم الاجتماعي، بما تفتحه من حوار حول القضايا الخلافية، وما توفره من إمكانية للخروج على النصوص القانونية غير الآمرة، من خلال تطبيق قواعد الإنصاف ومبادئ العدالة الطبيعية، وهذا ما يزيد من أهميتها في موريتانيا التي تثار أسئلة عديدة، حول تماسك نسيجها الاجتماعي، بفعل رواسب تاريخية مرتبطة بعدة أمور أبرزها ظاهرة الاسترقاق التي كانت منتشرة في البلاد على نطاق واسع حتى الربع الثالث من القرن الماضي3.
وسيركز هذا البحث على التحكيم باعتباره أبرز الوسائل البديلة لحل النزاعات في موريتانيا، بناءً على القانون رقم 2000-06 لعام 2000 المتضمن مدونة التحكيم، والذي عرفه بأنه "طريقة خاصة لفض بعض أصناف النزاعات من قبل هيئة تحكيم يسند إليها الأطراف مهمة البت فيها بموجب اتفاق تحكيم4".

 

ملف البحث

Top
We use cookies to improve our website. By continuing to use this website, you are giving consent to cookies being used. More details…